يتفاخر الكتائبيون بأنهم يملكون أكثر من ثلاثمئة بيت في لبنان خلافا لباقي الأحزاب. الا أنهم لم يتوقعوا يوماً أن تقفل قيادتهم بيوتهم قسراً، وتتجرأ على اخلاء بعضها وتأجيرها لتحويلها الى ملهى ليلي كما حصل في الكرنتينا أخيراً. يحنّون الى أيام الوزير الراحل بيار الجميل يوم كانت أقسامهم تنبض سياسة ومشاريع وأفكارا

مار بطرس هي احدى المناطق المحاذية لمنطقة بكفيا. هواؤها كتائبي ومعظم أهاليها ولدوا حاملين بطاقات حزب الله والوطن والعائلة. منذ نحو عام أو أكثر، أقفل بيت الكتائب في المنطقة، وتحوّل بيوتاً للعناكب تغزل فوق بابه ألف خيط وخيطاً. وكل مناورة جديدة للنائب سامي الجميل تحفز تلك العناكب على مدّ خيوطها سنتيمترات اضافية نحو الداخل طمعا باحتلاله بما فيه. في تلك المنطقة أقفل سلوك الجميل واهماله لمطالب رئيس القسم وأبناء حزبه الباب نهائياً على امكان اعادة احياء عمل الشباب. عين الخرّوبة هي الأخرى منطقة محاذية لبكفيا، ويصدف أنها كتائبية أيضاً. قسمها الكتائبي شاغر منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق للقسم فرنسوا بو ضومط واستحالة ايجاد كتائبي واحد يرغب بالحلول مكانه. هنا أيضا، العناكب تحفر في الصخر الكتائبي. ليست مار بطرس وعين الخروبة وحيدتين. يستحيل ايجاد قسم كتائبي واحد في المتن الشمالي أبوابه مشرّعة أمام الحزبيين على الأقل، لا العكس. لم يجد رؤساء الأقسام فائدة في فتحها، ففضّلوا حفظ ماء وجههم وملازمة منازلهم ما دامت «قيادتنا العليا لا تأبه لأصواتنا».

يخيّم اليأس على هؤلاء الشبان بعدما استسلموا لإمكان عدم اللقاء بالجميل للبحث معه في شؤون مناطقهم واستقاء آخر أخبار الكتائب السياسية والمشاريع منه. يطلبون موعداً لزيارة بكفيا، ينتظرون شهرا والموافقة لا تأتي. في المقابل، تأتيهم الأخبار من بكفيا عن استقبال الجميل، دورياً، رؤساء بلديات ومخاتير مقربين من النائب ميشال المر، فيزداد يأسهم يأساً. لذلك اختار هؤلاء التنحي عن واجباتهم قسراً. ففي رأيهم، ينبغي أن يكون رئيس القسم زعيما في منطقته، ملمّاً بكل الأخبار السياسية وبما يجري في دهاليز حزبه بعيداً عن أخبار الصحف والتلفزيونات. وهذه المعلومات لا يستقيها الا من رئيس الحزب أو نائب منطقته. ولكن عندما يحجب عنه الأخيران المعلومة ولا يجتمعان به، يفقد رئيس القسم حجة وجوده، وبالتالي يجرد من كل الامتيازات التي جعلت منه رئيساً لمنطقته. أما الأمر الأهم فهو عدم قدرته على دعوة الحزبيين الى اجتماع لاخبارهم بما يدور في حزبهم، وعدم مقدرته على تحفيز الشباب الراغبين بالانتساب لحضور اجتماع ثان وثالث، وفقاً لأحد رؤساء الأقسام المعتكفين. فأي شاب متحمس للانتساب الى حزب معين «تغريه المعلومة السياسية الحصرية أولاً، ورؤية زعيم الحزب ثانياً». وعندما لا يتوفر له هذان المعطيان، يعتكف عن الحضور هو الآخر. لا تفيد هنا، وفقاً للمصدر عينه، تكريمات لحزبيين قدامى من هنا وحفلات عشاء وتسال. الجاذب الوحيد هو السياسة أولاً والمشاريع ثانياً. وسامي لا يوفر تلك الامتيازات لا لرئيس قسمه ولا لمنتسبيه. تفيد هنا المقارنة، وفقاً لكتائبي، بين سامي وشقيقه الراحل بيار الجميل. تمكن الأخير «في غياب المال والسلطة من لمّ شمل الكتائبيين وتشجيعهم على العمل والتفاعل داخل الحزب». منح شبابه «الأمل عبر المشاريع الغزيرة (السياسية والانمائية) التي كان يشركهم فيها، فبثّ الحماسة فيهم، وكانت الأقسام أشبه بخلية نحل تنبض بالحياة». كان يمكن لرئيس القسم العودة كل مساء الى زوجته محمّلاً بالأخبار والأفكار الجديدة والمشاريع الحزبية التي يعمل عليها. أما اليوم، ورغم توافر المال والسلطة، فليس باستطاعته العودة الى منزله الا بأخبار عن مشاريع سامي الحيادية ومناوراته الفارغة على حزب الله. لم تعد الأقسام تعنيه، «يضع نصب عينيه مخاتير المر وبلدياته رغبة بتقليده، أو وراثته ربما».

ليس النأي بالنفس الكتائبي عن الأقسام من شيم سامي وحده، بل هو، أولاً وأخيراً، من «انجازات» والده عندما تولى رئاسة اقليم الكتائب في المتن الشمالي سابقاً وبعدما أصبح رئيساً للحزب في ما بعد. السبت الماضي، أخلى الجميّل الأب قسماً كتائبياً في الكرنتينا ــ الطريق البحرية، وأبلغ الكتائبيين الأسبوع الفائت بضرورة افراغه من الأوراق والأغراض. وهكذا كان وسط امتعاض حزبي كبير، بعدما اتضح أن الجميل عمد الى تأجير «بيت الحزب» لأحد رجال الأعمال الراغب بتحويله الى ملهى ليلي في تلك المنطقة «الاستراتيجية» المليئة بالملاهي.

يخاف الشباب اليوم من تمدد تلك الظاهرة الى مختلف أقسامهم المقفلة التي ترزح تحت وطأة الخلاف السياسي مع سامي وعدم قدرته على سدّ جوعهم للعمل الحزبي. في بيت شباب، مثلاً، كان رئيس القسم يدعى يوسف الأشقر. ولأن الأخير على خلاف مع رئيس البلدية الياس الأشقر الذي يرغب بتعيين شقيقه عزيز رئيساً للقسم، طلب سامي منذ بضعة أشهر اجراء انتخابات بين يوسف وعزيز على أن يتسلّم الفائز القسم. فاز عزيز الا أن المفاجأة كانت بتعيين شخص ثالث رئيساً للقسم، ما أدى الى اعتكاف يوسف وعزيز عن العمل الحزبي، وطبعا عدم التعاون مع الرئيس الجديد المكبّل اليدين. وفي بولونيا، غالبية الكتائبيين يشكون من عدم اهتمام القيادة بمطالبهم حتى باتت زوجة رئيس القسم لا تترك مناسبة الا وتبادر الى انتقاد الحزب وأدائه. أما ألبير معوض، الملقب بـ«الجاموس» منذ أيام قتاله الى جانب الكتائب، فقد اختار ترك رئاسة القسم والكتائب معا بعدما يئس من قدرة سامي على ادارة الحزب جدياً. في الجديدة، قدّم رئيس القسم منير داغر استقالته مع خمسين كتائبياً من الحزب منذ أشهر للسبب عينه. في محاذاة الجديدة، منطقة الدكوانة. رئيس قسمها جوزيف بو عبود شغل سابقاً منصب رئيس الاقليم، ورفض تولي ولاية رئاسية ثانية كون استمراره في هذا المنصب «لا يقدّم ولا يؤخر». انتقل بعدها الى بلدته لرئاسة قسمها علّه يتمكن من انجاز مشروع فيها ولو صغيرا. مجدداً، رفض بو عبود التجديد له في القسم الكتائبي وكان أن عيّن عبود بو عبود خلفا له. لم تكد رجلا بو عبود تطأ أرض القسم حتى وجد المفاجآت تتالى. أخيرا أراد سامي تعيين مختار له في تلك المنطقة، فلم يجد سوى أحد أقرباء رئيس البلدية أنطوان شختورة المحسوب على المر ويدعى جورج بو عبود لتعيينه بعد أن منحه بطاقة كتائبية. الأمر الذي أدى الى حرد كتائبيي الدكوانة.